واصل دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة محمد بن زايد، إطلاق أوسع عملية تعاون أمني وسياسي وإعلامي تُناسب المشروع الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة. وهي تواصل، من دون انقطاع، أبشع عملية تخريب في اليمن. وبحسب ما يحصل على الأرض، فإن هذه القيادة المتهورة لا تقف عن حد، لا لجهة حجم الضحايا من المدنيين الذين يقتلون نتيجة سياساتها أو تنفيذاً لأوامرها، أو لجهة تدمير البنى التحتية لهذه الدولة، من خلال المشاركة في عمليات القصف المجنون للمناطق الشمالية، وتفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتدمير منشآتها المدنية والحيوية، وضرب وحدتها الاجتماعية.
ولأجل تحقيق هذه الأهداف، لا تتوانى الإمارات عن التعاون مع كل من يفيدها في مهمتها، بما في ذلك التعاون مع تنظيم «القاعدة»، وباقي التيارات السلفية، وحشود من المرتزقة، بالإضافة إلى من يمكن أن يفيد في قمع الجنوبيين من مرتزقة تأتي بهم من آخر الدنيا.
اليوم، تعهّد ابن زايد لمحمد بن سلمان وللأميركيين بتحقيق إنجازات عسكرية ضد «أنصار الله». يأتي ذلك بعد فشله الذريع في أكثر من منطقة، لا سيما في جبهة الساحل الغربي، ولذلك يسعى اليوم إلى تحقيق تقدم في منطقة البيضاء التي تعتبر منطلقاً لتهديد مناطق نفوذ «أنصار الله».
«القاعدة» قاتل سابقاً إلى جانب
«الإصلاح» في أكثر من جبهة
ولتحقيق ذلك، يسعى ــ كما فعل في شبوة ــ إلى عقد تحالفات مع كل شياطين الأرض فيها، ولا سيما جماعة «القاعدة» الذين يتحركون علناً، تارة باسم «أنصار الشريعة» وتارة باسم «قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية». وهو يقوم بتخيير هؤلاء، إمّا بالتعاون مقابل الأموال والانسحاب لمصلحة مرتزقته من الجنوبيين، أو تقديم البيانات عنهم حيث تتولى الولايات المتحدة قصفهم بالطائرات المسيرة واغتيال كوادرهم.
خلال عام 2017، مثلاً، أدّت 127 غارة لطائرات من دون طيار أميركية إلى مقتل العشرات من عناصر «القاعدة». لكن لم تحصل تصفية لقيادات وازنة، سوى الاسم البارز وأحد القيادات التاريخية، أحمد عبد النبي، وهو شقيق خالد المحتجز. أما من قتل في الغارات فمعظمهم عناصر شابة وعادية من المؤدلجين، مع العلم بأن الاختراقات الأمنية هائلة في صفوف «القاعدة»، وهذا ما مكّن الأميركيين من الحصول على «الداتا» المناسبة للفرز بين الممكن تطويعهم والذين وجب قتلهم. حتى إن «القاعدة» اكتشف خلال السنوات الماضية نحو خمسين مخبراً وأعدمهم.
في شبوة، اتفقت الإمارات، قبل نحو أسبوعين، مع الشيخ سيف الدين محمد العولقي للتوسط مع قيادة «القاعدة» لأجل تأمين انسحاب عناصر التنظيم من مدخل جبل كور الحوطة المحاذي لمحافظة البيضاء، مقابل مبلغ مالي وقدره عشرة ملايين دولار، إضافة إلى إطلاق سراح عشرين من عناصر «القاعدة» المحتجزين لدى التحالف.
وقد جرى دفع المبلغ ثم تسليم آخر سجين قبل أقل من أسبوع. وتبيّن أن من بين محتجزي التنظيم الذين تم إطلاقهم في إطار الصفقة شخص يدعى «الحمومي»، وهو أحد القيادات المهمة التي كانت في محافظة حضرموت.
وقد تولى القيادي في التنظيم أبو إبراهيم الشبواني التفاوض مع الشيخ العولقي وتسلّم المبالغ المالية وأسرى التنظيم. وقد جاءت هذه الصفقة في سياق سعي الإمارات والسعودية لتحقيق نجاحات باتجاه محافظة البيضاء، وذلك على إثر فشل «التحالف» في تحقيق نتائج على الأرض نتيجة مقاومة «أنصار الله» في تلك المناطق... علماً بأنّ المساعي مستمرة لعقد صفقات جديدة في البيضاء لخدمة الهدف نفسه.
ما قامت به الإمارات في شبوة فعلته سابقاً في أبين. في ساحل أبين لم يُمسّ معسكر موجان حيث أهم المعاقل العسكرية للتنظيم. كذلك، أعطيت قبائل في أبين، متحالفة مع «القاعدة»، وفق التسوية، أرقام عسكرية لعناصر «القاعدة» من أبنائها، وهم بالمئات، ودُفعت لهم الرواتب من قبل الإماراتيين.
ولا تستبعد مصادر جنوبية وجود تنسيق بين التنظيم وقوات «الشرعية» المتقدمة من شبوة نحو البيضاء، كون الأخيرة تُعدّ بوابةً تجاه المحافظات الشمالية (ذمار كأولوية)، خصوصاً في ظل الحضور البارز لـ«حزب الإصلاح» ضمن تلك القوات، بالتوازي مع محاولات تقريب وجهات النظر بينه وبين أبو ظبي، برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتضيف المصادر أن التنظيم قاتل سابقاً إلى جانب «الإصلاح» في أكثر من جبهة، مثل شبوة ومأرب والجوف والضالع وتعز، وهناك تواصل بين الطرفين.
وينسجم ما توقعته المصادر مع ما قاله زعيم التنظيم في اليمن، قاسم الريمي، خلال تعليقه على عملية الإنزال الأميركية في البيضاء، مطلع العام الماضي، حين أكد أن مسلحيه قاتلوا «أنصار الله» إلى جانب «الإخوان المسلمين» والسلفيين في أكثر من محافظة.
وطبقاً لتوقعات المصادر، فإن عناصر التنظيم سيتم تذويبهم ضمن القوات المتقدمة من محافظة شبوة إلى البيضاء خلال عملية استعادة السيطرة على المحافظة، تماماً كما حدث من قبل في عدد من المحافظات الجنوبية.
كذلك تعمل الإمارات على تحييد تنظيم «داعش»، وقد تم نقل أمراء من التنظيم إلى أبو ظبي تحت ذريعة الاعتقال، لكن أعيد نشرهم في صفوف الميليشيات الإماراتية في الجنوب، واستطاعت مصادر عدة التعرف إليهم.
معلوم أن تنظيم «القاعدة» في اليمن مختلف عن بقية أفرع التنظيم في العالم. نشأته تمت من خلال المعاهد العلمية (الدينية) التي كانت قائمة في اليمن، والتي تخرّج منها «الإخوان» باسم حزب الاصلاح والتيارات السلفية على اختلافاتها، والذين صاروا لاحقاً في «القاعدة». وهي معاهد أقفلها علي عبدالله صالح بعد هجمات 11 أيلول بطلب من واشنطن.
بيئة «القاعدة» تستند إلى مجموعات قبلية وسكانية ولديها منظومة علاقات مترابطة وتستفيد من تناقضات قوى الخصوم. فكان لها صلة بعلي صالح وعلي محسن الأحمر وحزب الاصلاح والسعودية الذين استخدموا نشاطها في سياق إقناع الأميركيين بأنهم يواجهون «القاعدة»، بينما يتصرف «الإصلاح»، ضمن تقاطعات معينة، أنها تشكل ذراعاً عسكرية له في أماكن مختلفة.
الإمارات تستهدف سلخ «القاعدة» نهائياً عن «الإصلاح»، عدوّها الأول في اليمن. وقد عملت على استمالة مجموعات عدة من أنصار «القاعدة» في أكثر من مكان، وذلك من خلال دفع الأموال. ويتم احتواء قسم منهم عبر زعماء القبائل التي ينتمون إليها، تماماً كما حصل مع التيارات السلفية التي عمل على جمعها في أُطر عسكرية تخضع لسلطة الامارات، مثل قوات الحزام الأمني التي يشرف عليها القيادي السلفي هاني بن بريك. هذا الأخير عاد واصطدم بقيادته (السلفية) نتيجة عدم التزام الإمارات بالاتفاقات. وبعض هؤلاء كانوا من الموالين لفكر وتنظيم القاعدة. أما الذين اختلفوا مع التنظيم وانشقوا ليشكلوا تنظيم «داعش» فغالبيتهم من الذين تورطوا في حروب التنظيم في العراق وسوريا، ولديهم شبكات التواصل مع قادته، لكنهم ظلوا محدودي الانتشار والتأثير.